في منطقة جبلية بعيدة تسمى "حيرة" تقع إلى الشمال الغربي من مدينة حرف سفيان، مركز المديرية، بمحافظة عمران شمال البلاد، أغارت مقاتلات أمريكية وبريطانية يومي العاشر والحادي عشر من نوفمبر الحالي، استهدفت مواقع تابعة لجماعة الحوثي المدعومة من إيران.
ومع تكتم جماعة الحوثي عن تلك الضربات التي تشنها القوات الأمريكية البريطانية منذ 12 يناير الماضي ردا على اعتداءات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، كان لافتا الغموض حول طبيعة الأهداف المستهدفة، وسط تساؤلات حول تكرار مثل تلك الضربات التي يقول البعض أنها "تقصف المقصوف" اعتقادا بأنها تستهدف ذات المواقع التي يتم قصفها منذ بدء التدخل العسكري للتحالف العربي الداعم للشرعية اليمنية "عاصفة الحزم، إعادة الأمل" الذي قادته السعودية والإمارات في 26 مارس 2015م.
إذ شنت مقاتلات أمريكية بريطانية سلسلة غارات كبيرة شملت أهدافا حوثية في صنعاء، العاصمة والمحافظة، وفي محافظتي عمران وصعدة خلال يومي الأحد والاثنين 10، 11 نوفمبر.
تحدثت الجماعة عبر منصاتها الإعلامية أن من بين غارات يوم 10 غارتان على مديرية حرف سفيان في عمران -دون تقديم تفاصيل-، ومثلها 7 غارات في اليوم التالي قالت إنها استهدفت مفرق برط وحرف سفيان. تقع مديرية حرف سفيان إلى شمال محافظة عمران، تمثل المديرية منطقة الاتصال بين عمران وصعدة شمالا والجوف شرقا.
لم تقدم الجماعة –كالعادة- معلومات دقيقة حول طبيعة وأماكن الأهداف التي طالتها الغارات في سفيان، كما تعمدت ربما تقديم معلومات خاطئة –أو كاذبة- عن غارات صعدة.
وقد تم التوصل إلى طبيعة بعض الأهداف التي تعرضت للقصف في حرف سفيان، اعتمادا على بعملية بحث أجراها فريق "ديفانس لاين" وتحقق من المصادر المفتوحة وصور الأقمار الصناعية وخرائط جوجل ارث.
إذ تبين أن ست غارات على الأقل قد استهدفت مواقع حوثية في منطقة "الحيرة"، وهي منطقة جبلية نائية غير آهلة بالسكان تقع إلى الشمال الغربي من مقر قيادة اللواء 29 ميكا المعروف بـ"لواء العمالقة" وهو أحد أقوى ألوية الجيش اليمني سابقا، تقع قيادته في الجبل الأسود، إحدى المرتفعات الاستراتيجية، المطلة على الطريق الرئيسي الرابط بين صنعاء-عمران- صعدة، ويتحكم بمثلث الطريق الرئيسي بين عمران والجوف، إذ تمر من أطراف المدينة طرق رئيسية إلى محافظة الجوف، طريق موصل إلى مديرية برط العنان شمالا، وآخر موصل إلى المطمة والمتون.
المقر القديم للواء العمالقه سبق أن تعرض لقصف جوي من مقاتلات تحالف العاصفة منذ 2015.
وفقا لما تبين صور التقطتها الأقمار الصناعية بتاريخ 18 نوفمبر 2020، لم يلحظ أي تغييرات في جغرافيا المنطقة التي وقعت فيها الغارات.
لكن التغييرات ظهرت على الأرض منذ مطلع العام 2022، بالتزامن مع بدء سريان هدنة هشة أعلنتها الأمم المتحدة (2 أبريل) أفضت إلى توقف الغارات الجوية لطيران التحالف العربي. وربما أن بعض أعمال شق طرق بدأت نهاية 2021 وبدء استطلاع المنطقة.
توضح الصور الملتقطة في 2 فبراير و31 أغسطس من العام 2022 وحللها فريق "defense liney" قيام الحوثيين بشق شبكة طرق جديدة معبدة ومتفرعة ومسارات متعددة وأخرى احتياطية في المنطقة التي اختاروها بعناية كموقع مثالي لعمليات عسكرية وإنشاء أنفاق ومخازن ومغارات تحت الأرض.
كما تبين الصور الملتقطة في 31 يونيو 2023 تسارع الأعمال الانشائية وتوسيع نطاق الحفريات وتوزيعها ونشرها لتشمل أكبر مساحة في المنطقة.
فيما تظهر صور الأقمار الصناعية التي وثقها موقع (livingatlas) وخرائط جوجل إرث التقطت في 6 يونيو 2024 حجم المنشئات بصورة أكثر وضوحا، ليتضح بذلك حجم استحداث منشئات عسكرية وبناء مخابئ وأنفاق تحت الأرض لتخزين أسلحة واستخدامها كمنصات ثابتة ومتحركة لإطلاق صواريخ وطيران مسير.
وتبين خرائط جوجل طبيعة تضاريس المنطقة، لتبدو معالم الأنفاق والكهوف واضحة في الصور. ما يتيح للجماعة استخدامها بكفاءة، وكذلك الاستفادة من سلسة الكهوف الطبيعية وطرق عبور السيول المنخفضة والمتعرجة.
https://x.com/i/status/1862541343375204444
وكان حساب (https://x.com/VleckieHond) على منصة (X) وهو خبير عسكري ناشط في تتبع أخبار الحرب في اليمن، قد نشر صورا تظهر تعرض أربعة مواقع في المنطقة المشار إليها لقصف يومي العاشر والحادي عشر من نوفمبر. بتعاون من الصحفي اليمني علي السكني (https://x.com/Alsakaniali) الناشط في تغطية الأحداث. والسكني هو من أبناء منطقة عمران التي وقعت فيها الضربات.
كما توضح صور الأقمار الصناعية التي التقطها "Sentinel Hub" تتبعتها منصة "إيكاد" المتخصصة بتحقيقات "استخبارات المصادر المفتوحة" ما بين 31 أكتوبر و15 نوفمبر (أي قبل الهجوم وبعده) وظهر 4 مواقع داخل الجبال طالها القصف. هذه الأضرار ظهرت بتتابع يومي 10 و11 نوفمبر، أي أن الهجمات طالت النقاط نفسها خلال العمليتين.
فيما تبين نتائج تحليل الصور التي أجراها فريق "ديفانس لاين" أن الحوثيون قد أنشأوا ملاذات رئيسية وأخرى احتياطية كمقرات ومخازن، فيما قاموا بإنشاء شبكة مخابئ وأنفاق صغيرة منتشرة على مواقع متباعدة قاموا بربطها بشبكة.
تشير إحدى مواقع الغارات إلى نشر الجماعة قواعد ومنصات إطلاق (ثابتة، متنقلة) للصواريخ والطائرات في المنطقة المذكورة، وأنها قد استخدمتها فعليا في عملياتها الأخيرة، ما دفع القوات الأمريكية لاستهدافها.
وتظهر الصور الملتقطة أن تلك المواقع قد تعرضت لغارات سابقة قبل تاريخ وقوع الغارات الأخيرة، يرجح أنها أمريكية نفذت في وقت سابق خلال العام الجاري.
ومن خلال ما سبق، يمكن استنتاج أن تلك الغارات قد طالت إحدى أهم قواعد حوثية لتجميع وإطلاق الصواريخ الباليستية والمجنحة والطائرات غير المأهولة، أيا كان حجم خسارة الجماعة من تلك الضربات.
على ذات الاتجاه، وفيما لم يفصح الحوثيون عن مواقع وأهداف ثلاث غارات من أصل تسع أعلنت عنها، تشير خرائط جوجل وصور الأقمار الصناعية الملتقطة بتاريخ 6 يونيو 2024 إلى وجود آثار في ثلاثة مواقع على الأقل في منطقة وادي عيان الواقع إلى شرق الطريق الرئيسي شمالي مدينة الحرف، يتوقع أنها تعرضت لغارات جوية.
إضافة إلى ظهور آثار وأضرار في موقع آخر يقع إلى الشمال الشرقي من "مثلث برط" شرقي الطريق الرئيسي، عند نهاية السايلة قرب إحدى المزارع.
أساليب الاختباء
طبيعة تلك الانشاءات الحوثية تعكس استخدام الجماعة تكتيكات وأساليب متعددة في إعادة تعبئة وتمركز قدراتهم ومراكز القيادة والسيطرة، بما يسمح لهم بالاختباء وقدرة المناورة لتجنب الهجمات التي تستهدفهم.
التكتيك الحوثي تحدث عنه النائب الأسبق لقائد القيادة المركزية الأمريكية "سنتكوم"، مارك فوكس، وقال إن الحوثيون لجأوا للأسلوب الذي تعتمده الجماعات الإرهابية في خزن الأسلحة تحت الأرض أو في الكهوف أو في المناطق السكنية.
وفيما أشار فوكس في مقابلة سابقة مع فضائية "الحرة" إلى أن الولايات المتحدة لديها عدة طرق لتحديد مواقع مخازن سلاح الحوثيين ومناطق إطلاقها، لكنه اعترف أن أمريكا تواجه "صعوبات تكمن في تحديد أماكن المنصات والمقرات المتنقلة".