ما يجري اليوم داخل إيران من كشف لمعسكرات تجميع طيران وتدريب ومئات خلايا تجسس وعشرات الآلاف من المتعاونين المحتملين مع الموساد، ليس حدثًا عادياً، بل تطور نوعي في عالم الاستخبارات، يكشف عن انهيار أمني حقيقي داخل بنية النظام الإيراني المغلقة والصلبة.
لكن الأهم من ذلك:
أن هذا النجاح ليس الأول للموساد، فقد سبقه اختراقات عميقة لحزب الله في لبنان، ومفاصل النظام السوري، وداخل مليشيات الحوثي الارهابية نفسها.
الأمر الذي يشير إلى استراتيجية طويلة النفس، دقيقة الأهداف، ومنهجية في اختراق "المنظومات المغلقة" التي تديرها إيران أو تمولها أو تسيطر عليها.
*تحليل لأسباب هذا الاختراق الغريب:
- انغلاق القيادة على دائرة دينية ـ أمنية ضيقة.
القرار داخل إيران محصور في فئة نخبوية مغلقة، لا تقبل النقد ولا التجديد، ومعتمدة على الولاء لا الكفاءة، وهو ما يجعل الاختراق "عند القمة" أكثر سهولة وخطورة.
- صراعات داخلية مزمنة.
الخلافات بين المحافظين، الإصلاحيين، والمتشددين، ليست سطحية، بل تنعكس على بنية الدولة ومؤسساتها الأمنية، مما يخلق فراغات يستغلها الخصم بذكاء.
- تضارب الأجهزة الأمنية واختلال التنسيق.
تعدد الأجهزة الأمنية (الحرس الثوري، الباسيج، استخبارات الجيش، وزارة الأمن...) دون تنسيق فعلي، خلق ثغرات واسعة لم يُحسن النظام إغلاقها.
- الانشغال بالخارج على حساب الداخل.
النظام الإيراني ضيّع تركيزه في تمويل المليشيات بالخارج (في اليمن، سوريا، العراق، لبنان)، على حساب حماية الجبهة الداخلية. وهنا كانت الكارثة.
- النقمة الشعبية والاختراق المجتمعي.
الفساد، القمع، انهيار الاقتصاد، والتمييز الطائفي والعرقي.. كلها أسباب دفعت شرائح واسعة من الداخل الإيراني للتعاطف أو التعاون مع كل من يعادي النظام.
النتيجة: اختراق قلب "المنظومة الخبيثة".
لم يعد الحديث عن اختراق محيط النظام، بل عن وصول إلى الدائرة الصلبة المغلقة التي تدير العقيدة والسياسة والأمن معاً.
▪هذا الاختراق يشبه عملية "تفكيك من الداخل"، وقد يكون من أعمق العمليات في تاريخ الاستخبارات الحديثة.
▪وهو دليل على أن ما بُني على القمع والتوسع الطائفي والفساد لا يمكن أن يصمد طويلاً مهما بلغ حجمه الأمني أو الإعلامي.
خلاصة القول:
الموساد لم يضرب النظام من الخارج، بل تسلل إلى الداخل، إلى العمق، إلى الصميم.
وهذا ما يفسّر حالة الذعر والارتباك غير المسبوقة داخل النظام الإيراني اليوم.
(من حائط الكاتب على منصة X)