اخر تحديث 2/12/2024

مراحل تشكيل الجيش اليمني وتجارب هيكلته (1990- 2024م)

| اتفاقيات ونصوص ولجان عليا لدمج "الجيوش المتعددة" وتوحيد "بنادق متصارعة"...

مثلت عملية هيكلة مؤسسة الجيش والأمن في اليمن وتوحيدها التحدي الأعقد والمفصلي خلال أهم المراحل الانتقالية، وكانت هي المهمة الأصعب التي يرتكز عليها الانتقال السياسي ولها التأثير الحاسم في مآلات الصراع وفرص العبور للاستقرار.

وفي كل جولة من الصراع المتعاقب، كان الجيش هو القوة الأكثر تأثيرا، وله اليد الطولى.

وقد ارتكزت اتفاقات ومواثيق مراحل الانتقال السياسي الممتدة، بدرجة رئيسية، على إعادة هيكلة القوات المسلحة، وتذويب ولاءاتها وعقائدها المتباعدة في بنية قومية تتجسد فيها الوحدة الوطنية كأساس لتثبيت الاستقرار والأمن.

 

مع ما تحدثه الحروب من تصدعات عنيفة وانقسامات حادة داخل الجيش، تبرز ضرورات إعادة تنظيم "الجيوش المتعددة"، ودمج قوات مُتصارعة وتشكيلات مُتناقضة الولاءات متعددة الشعارات، وصلت حد التصادم والاقتتال بين القوات التي تشكلّت في معترك حروب داخلية وتدخلات خارجية واستقطابات إقليمية وعالمية حادة تتنافس في اليمن.

كما أنها تفرض إجراء تغييرات معقدة في استعادة بناء القوات ماديا وبشريا وإعادة تشكيل هياكلها التنظيمية وسلطتها القيادية وأجهزتها العسكرية والسياسية ومسميات تكويناتها وفروعها وخارطة انتشارها.

 

يستعرض هذا الملف الخاص بـ"ديفانس لاين" مسارات أهم اتفاقات ومواثيق المراحل الانتقالية التي تضمنت تصورات ومقترحات لهيكلة الجيش اليمني وإعادة تنظيمه، واستدعت تشكيل لجان عسكرية وأمنية، أسندت لها مهاما استراتيجية سيادية، أساسها إنهاء انقسام القوات ومعالجة أسبابه، وإنهاء النزاعات المسلحة، واتخاذ الخطوات اللازمة لتوحيدها في هيكل إداري تحت قيادة مهنية ووطنية موحدة.

تشكل الجيش اليمني مع إعلان إعادة تحقيق الوحدة اليمنية، 22مايو90م، ودمج جيش الجمهورية العربية اليمنية التي قامت في صنعاء، 26سبتمبر62م، وجيش جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي قامت في عدن، 14أكتوبر67م، واندماج الجيشين كجيش يمني واحد باسم "القوات المسلحة اليمنية".

ومثلما تشكل جيش الجمهورية العربية شمالا، من المقاومة الشعبية المنخرطة في الثورة، وما تبقى من قوات الحكم الإمامي المتوكلي وهي قوات محدودة القدرات، تضم فرعين: الجيش النظامي، والجيش الشعبي الرديف، تشكل جيش الجمهورية جنوبا من "جيش التحرير" التابع للجبهة القومية والجيش الاتحادي الذي بني في عهد الاستعمار البريطاني، ويضم القوات العسكرية والأمنية بمسمياتها "جيش المكلا النظامي" و"جيش البادية الحضرمي".

 

خاضت الجمهوريتان الوليدتان في صنعاء وعدن نوبات من الحروب الطويلة لتثبيت دعائم الثورة ومرتا بعديد انقلابات عسكرية وصراعات سياسية، وخضع كلا الجيشان لمراحل متعددة من الهيكلة والتنظيم والتطوير أنتجتها وتحكمت فيها إرهاصات ونتائج الصراعات.

ففي الشمال، تناوب على السلطة الناشئة ستة رؤساء، وشهدت صنعاء انقلابين عسكريين، ومثلهما انقلابين سياسيين، واغتيال رئيسين، إبراهيم الحمدي وأحمد الغشمي. وفي الجنوب، تناوب على الحكم خمسة زعماء، وشهدت عدن انقلابين عسكريين، وإعدام رئيسين قحطان الشعبي وعبدالفتاح إسماعيل. كانت القوى والقوات في الشطرين منهكة والمتغيرات إقليميا وعالميا متسارعة. وشهدت فترة ما قبل الوحدة مواجهات حدودية متقطعة بين الشطرين، كان يجري احتواؤها من القيادتين أو بجهود عربية.

 

اتفاقية إعلان الجمهورية 90م

 

 

سبق توقيع إعلان الوحدة سلسلة من اللقاءات والقمم والمفاوضات في الداخل والخارج، وتوقيع اتفاقات وزيارات متبادلة على مختلف المستويات. وقد تم تشكيل عدد من اللجان المشتركة لوضع قواعد وآليات دمج مؤسسات الدولتين ومسودة شكل الدولة ونظامها ودستورها. وكان الملف العسكري أحد الملفات الشائكة الأكثر تعقيدا.

وخلال جولات اللقاءات والمشاورات والقمم التي مهدت الطريق لإعلان إعادة تحقيق الوحدة، شكلت لجنة عسكرية مشتركة، ولجان فرعية من الشطرين تولت وضع الخطط والتصورات المتعلقة بالجيش.

وحددت اتفاقية اعلان الجمهورية اليمنية وتنظيم الفترة الانتقالية الموقعة بصنعاء (22 أبريل 90م) في مادتها رقم (3) فترة انتقالية لمدة سنتين ونصف، وعلى رأس ذلك استكمال دمج المؤسسة العسكرية والأمنية وإعادة هيكلتها وتنظيمها.

التوقيع على محاضر اللجان العسكرية خلال ما قبل الوحدة

برزت تحديات وصعوبات أمام مهمة دمج الجيشين، كأساس لترسيخ الوحدة ودعامة تثبيت أركان الدولة الجديدة، فاستمرار بقاء الجيشين سياسيا وتنظيميا وقياديا يقوض جهود الاستقرار ويمنح الطرفين فرصة للاستقواء والاستحواذ، ويعني الانقسام والعودة مجددا للصراع.

تم تعيين اللواء الركن هيثم قاسم طاهر، وزيرا للدفاع في أول حكومة بعد الوحدة، وهو من أبناء ردفان محافظة لحج الجنوبية، وكان يشغل نائب أول وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان العامة الجنوبية قبل إعلان الوحدة.

وكان آخر وزير دفاع في الشطر الجنوبي قبل اعلان الوحدة هو اللواء الركن صالح عبيد أحمد (الضالع) وهو عضو المكتب السياسي للحزب الإشتراكي الحاكم في الشطر الجنوبي سابقا. وقد تم تعيينه في منصب "نائب رئيس الوزراء لشئون الأمن والدفاع" في أول حكومة يمنية شكلت بعد الوحدة برئاسة حيدر العطاس (حضرموت). أما في الشطر الشمالي فقد كان رئيس لهيئة الأركان العامة هو المقدم عبدالله حسين البشيري (عمران) عضو اللجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي حينها.

نص مشروع دستور الوحدة اليمنية في فصله الرابع (أسس الدفاع الوطني) المادة(22) على: "الدولة هي التي تنشئ القوات المسلحة وأية قوات أخرى، وهي ملك الشعب كله ومهمتها حماية الجمهورية وسلامه أراضيها وأمنها، ولا يجوز لأية هيئة أو جماعة إنشاء تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية، ويبين القانون شروط الخدمة والترقية والتأديب للقوات المسلحة". وهذه المادة ستبقى في الدستور اليمني إلى اليوم مع بعض التعديلات والإضافات، التي تجرم تسخير الجيش والأمن لصالح حزب أو فرد أو جماعة وتوجب صيانتها عن كل صور التفرقة الحزبيـة والعنصرية والطائفية والمناطقية والقبلية وتحظر الانتماء والنشاط الحزبي في المؤسسة العسكرية والأمنية.

المادة(23) تنظيم التعبئة العامة بقانون، ويعلنها رئيس مجلس الرئاسة بعد موافقة مجلس النواب.

المادة(24) ينشأ مجلس يسمى مجلس الدفاع الوطني ويتولى رئيس مجلس الرئاسة رئاسته ويختص بالنظر في الشئون الخاصة بوسائل تأمين الجمهورية وسلامتها ويبين القانون طريقة تكوينه ويحدد اختصاصاته ومهامه الأخرى.

 

 وثيقة "العهد والاتفاق" 93م

 

خلال أربع سنوات أعقبت الوحدة، تم إنجاز بعض مراحل إعادة توزيع مسرح العمليات وانتشار القوات، ونقل بعض ألوية جنوبية إلى مناطق شمالية، والعكس. ودمج بعض المؤسسات العسكرية، لكن التعقيدات تفاقمت مع ما طرأ من توتر سياسي، خصوصا عقب أول انتخابات برلمانية في (إبريل93) وكان محدداً لها 22نوفمبر92، وتأجلت إلى 18فبراير93. إلى جانب الصعوبات الفنية والعضوية التي تقف في طريق الهيكلة الوطنية، أبرزها اختلاف العقيدة العسكرية والايدلوجيا السياسية ومسافة تفاوت القدرات، فالجيش الجنوبي كان احترافيا وأكثر انضباطا وتأهيلا، لكن بطابع سياسي وذهنية الاشتراكية العلمية، ومتفوقا تسليحا خصوصا في القوات الجوية التي أسهم في بنائها من الاتحاد السوفياتي.

كانت الحزبية أبرز أسباب الاختلافات. فشمالا كان الصراع السياسي العنيف قد استنزف قدرات الجيش وأقنع جميع الأطراف والقوى لصهر نفسها داخل مكون سياسي واحد هو "المؤتمر الشعبي العام"، الذي تأسس عام 82م، واستوى الأمر للرئيس صالح، الذي كان رئيس هذا المكون، وهو المؤتمر الشعبي، والقائد العام للقوات المسلحة.

وجنوبا، كان قادة ومنتسبي الجيش منخرطين في الحزب الاشتراكي اليمني الذي تأسس في يونيو78، كتنظيم سياسي بديل لـ"الجبهة القومية" وأصبح الحزب الحاكم.

علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض

تصاعد الخلاف حول تقليص نفوذ صالح وتقييد نفوذ شبكاته القيادية، وضرورة خضوع "الحرس الجمهوري" لوزير الدفاع. ومنع وتجريم الحزبية والانتماء السياسي داخل الجيش.

كان صالح قد اتجه نحو تطوير قدرات "الحرس الجمهوري" التي شكلها وفق تصوره الخاص كقوة نوعية وذراع عسكري لحمايته وبقاء حكمه، كما قام بتعيين شبكة أقاربه ومقربيه وأبناء منطقته على رأس الهرم القيادي للجيش. مقابل تضخم مخاوف الطرف الجنوبي واتجاهه للحفاظ على ما تبقى من قواته.

وفشلت عدة اجتماعات ولقاءات في احتواء التوتر المتصاعد، وتعثرت جهود لجنة الحوار الوطني في الوصول إلى حلول بخصوص ترتيبات دمج القوات وجسر الخلاف المتصاعد، مع حدوث بعض الصدامات بين وحدات جنوبية وشمالية.

ليتم الإعلان في عدن عن التوصل لاتفاق بوساطة عربية وتوقيع اتفاق "الأحرف الأولى". وبعد 6 أشهر تم التوقيع على وثيقة "العهد والاتفاق" في العاصمة الأردنية عمان بتاريخ 20فبراير94م، برعاية العاهل الأردني حينذاك، الملك حسين بن طلال، وحضور الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وأمين عام الجامعة العربية وسفراء دول عربية وأجنبية، بمشاركة 300شخصية يمنية.

 

الوثيقة، وهي تمثل خارطة سياسية جديدة، تضمنت جملة تدابير أمنية وعسكرية، ونصت على:

-إعادة بناء وتنظيم ودمج القوات المسلحة، وتقليص حجمها، وضبط ميزانية وزارة الدفاع.

-إخلاء المدن من القوات المسلحة وإعادة تموضعها خلال فترة زمنية أقصاها شهران، تمهيداً لدمجها وتنظيمها وتصحيح أوضاعها، على ألا تتجاوز عملية دمجها أربعة أشهر بعد تنفيذ عملية الإخلاء وإعادة التمركز في سياق بناء جيش وطني حديث.

-وقف التجنيد والتسليح والتعبئة للوحدات والميليشيات وحرس الحدود والحرس الشعبي وما شابهها وإلغاء ما تم استحداثه.

-عدم تسيير أي دوريات عسكرية في المدن، والالتزام بعدم تحريك أي وحدات عسكرية أو تعزيزات بشرية أو مادية، والبحث عن وسائل لإنهاء الوجود المسلح غير الرسمي.

ومع أن الوثيقة تضمنت سحب القوات من مناطق الحدود الشطرية سابقا وإعادة تمركزها في مناطق يتفق عليها، بما يؤمن متطلبات الاستراتيجية الدفاعية للبلاد، إلا أن الاحتكاكات عادت مجددا.

 

حرب الوحدة 94م

شهد الجيش اليمني استقرارا شكليا وتنامى منذ عام 95م وفرض انتشاره على كامل الجغرافيا اليمنية، ليبرز كرقم صعب بين أقوى جيوش المنطقة. لكن الحال والاستقرار لن يدم طويلا.

 

بدا أن اتفاقية "العهد والاتفاق" تأخرت، فالواقع على الأرض يزداد توترا، وفشلت اللجان العسكرية المكلفة بإعادة تموضع القوات وسحبها من خطوط التماس، وتبادل الطرفان الاتهامات بالتصعيد، لينفجر الموقف بعد نحو ثلاثة أشهر بقيام نائب الرئيس علي سالم البيض، الأمين العام للحزب الاشتراكي، بإعلان الانفصال من عدن، 21مايو94م، لتدخل البلاد في حرب لم تندمل جراحها لسنوات.

أعاد البيض تجميع قواته، وسحب القيادات من صنعاء، وشكل حكومة انفصالية في عدن، وعين اللواء هيثم قاسم وزير دفاع فيها، بعد مغادرة الأخير صنعاء وانضمامه للقوات المنفصلة.

أعلن صالح حرب الدفاع عن الوحدة، 7يوليو، ودفع بقادة وقوات جناح "الزمرة" التي انهزمت في أحداث 13يناير ولجأت إلى صنعاء، في المواجهة، وعين العميد الركن عبدربه منصور هادي (أبين) وزيرا للدفاع ليقود معركة استعادة عدن واستكمال دحر قوات البيض "المتمردة على الشرعية"، ويعينه لاحقا في منصب "نائب رئيس الجمهورية" بدلا عن البيض، زعيم "الطغمة" المهزومة التي فر قادتها خارج البلاد، ليعود رموز "الزمرة" إلى السلطة وعينوا لاحقا في مناصب رفيعة، ويصبح عبدربه منصور هادي رئيس جمهورية، فبراير 2012م.

عبدربه منصور هادي خلال توليه منصب وزير الدفاع

 

أصدر صالح قرارات بإبعاد المئات من القادة والضباط والجنود الذين شاركوا في صفوف قوات البيض وتسريحهم من الجيش، وصدرت أحكاما بالإعدام بحق بعضهم، ثم أصدر صالح لاحقا قرارا بالعفو عنهم.

وقد استقر الأمر لصالح بإزاحة منافسه، ومضى في بناء نفوذه ووضع يده على مفاصل الجيش وبناء الحرس الجمهوري بمعايير غير وطنية وتعيين نجله العميد أحمد علي قائدا لها، وإنشاء القوات الخاصة وضمها تحت قيادة ابنه أحمد، وتعيين أقاربه في أعلى الهرم القيادي، على حساب القوات الوطنية وإزاحة قادتها ليتجه لاحقا لتوريث الحكم.

 

شهد الجيش اليمني استقرارا شكليا وتنامى منذ عام 95م وفرض انتشاره على كامل الجغرافيا اليمنية، ليبرز كرقم صعب بين أقوى جيوش المنطقة. لكن الحال والاستقرار لن يدم طويلا.

اندلعت الحرب ضد تنظيم القاعدة منذ عام 98م، شرقا وجنوبا. وفي محافظة صعدة تندلع الحرب ضد التمرد الحوثي المدعوم إيرانيا منذ 2004-2010م، ووجه صالح القوات الوطنية لخوض جولات المواجهة ضد الحوثية التي تسعى لإعادة الحكم الإمامي بغلاف فارسي وفرض الحكم العنصري السلالي بالقوة.

جنوبا، اندلعت فعاليات الحراك السلمي والانفصالي في 2007، واحتجاجات جمعيات المتقاعدين العسكريين الجنوبيين يتصدرها الضباط المبعدين وتتبنى الدعوة للاستقلال والعودة لما قبل الوحدة. ويبدأ في الضالع ولحج عمليات الجناح المسلح للحراك الانفصالي الإيراني بزعامة البيض.

المبادرة الخليجية 2011

 

مع اندلاع ما يعرف بثورات الربيع العربي في دول عربية مطلع 2011، انطلقت الثورة الشبابية السلمية المطالبة بإسقاط صالح ونظامه، واجتاحت المظاهرات عموم المحافظات ما تسبب في إضعاف قبضة السلطة المركزية وفقدانها زمام الأمور.

لتبدأ انعطافة جديدة للجيش الذي تعرض لضربات عنيفة في بنيته التنظيمية والمادية والمعنوية، وتعصف به انقسامات حادة مع إعلان كتلته الوطنية وأبرز القوى والمناطق انحيازهم للثورة الشبابية، على رأسهم اللواء الركن علي محسن الأحمر، قائد قوات الفرقة الأولى حينها. أعقبها اندلاع مواجهات بين القوات المؤيدة للثورة والقوات المؤيدة لصالح، وعصفت الاستقطابات السياسية والجهوية بالقوات ومنتسبيها.

مع انفراط الوضع تدخلت السعودية ودول خليجية لتبني خطة تسوية سياسية "المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية المزمنة"، ورعت التوقيع عليها في الرياض، 23نوفمبر2011، ليتخلى بموجبها صالح عن السلطة، ونقلها لنائبه الأسبق هادي، الذي تم انتخابه رئيسا توافقيا، فبراير 2011م. لتدخل البلاد في انتقال سياسي جديد تتفاقم معه التصدعات على مختلف المستويات.

 

الاتفاق الخليجي الذي حظي بمباركة دولية وأممية واستند لقرار مجلس الأمن للأمم المتحدة 2014 لعام (2011) انبثق عنه تشكيل "لجنة الشئون العسكرية وتحقيق الأمن والاستقرار"، وحددت مهامها في:

-إنهاء الانقسام في القوات المسلحة ومعالجة أسبابة. وإنهاء جميع النزاعات المسلحة. وأية إجراءات أخرى من شأنها أن تمنع حدوث مواجهة مسلحة في اليمن.

-عودة القوات المسلحة وغيرها من التشكيلات العسكرية إلى معسكراتها وإنهاء المظاهر المسلحة في العاصمة صنعاء وغيرها من المدن، وإخلاء العاصمة وباقي المدن من المليشيات والمجموعات المسلحة وغير النظامية.

-إزالة حواجز الطرق ونقاط التفتيش والتحصينات المستحدثه في كافة المحافظات.

وإعادة تأهيل المجاميع المسلحة الذين لا تنطبق عليهم شروط الخدمة في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية.

وأن تقوم اللجنة خلال مرحلتي الانتقال بتهيئة الظروف واتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق تكامل القوات المسلحة تحت هيكل قيادة مهنية ووطنية موحدة في إطار سيادة القانون.

وأصدر هادي، 4ديسمبر2011م، قرارا بتشكيلها، برئاسته، وعضوية 14 ضابطا، على رأسهم وزير الدفاع اللواء الركن محمد ناصر أحمد الحسني (أبين، جنوب) المحسوب على هادي. لتبدأ اللجنة مهامها في ظروف معقدة، مركزة على فض الصدامات وإعادة نشر القوات وتموضعها.

 

أصدر هادي جملة قرارات لمعالجة أوضاع آلاف المبعدين الجنوبيين من الذين حاربوا مع البيض في حرب الانفصال، لكن ذلك لم ينجح في إطفاء جذوة نزعات الانفصال والعمليات المسلحة التي استهدفت القوات الوطنية

 

توالت قرارات التغييرات وإفراغ العاصمة صنعاء من القوات الوطنية، وما تلاها من إجراءات تركزت على رأس القوات الوطنية، لتصب نتائجها وانعكاساتها على تفكيك الجيش وتعميق انقسامه، وإضعافه وزعزعة عقيدته وضربه معنويا واعتباريا، واقصاء قيادته الوطنية.

بينما كانت مليشيا الحوثي تعزز قبضتها على صعدة وما جاورها، شمالا، وتبني قدراتها العسكرية، مع القبول بتمثيلها في مؤتمر الحوار الوطني الشامل قبل تسليم سلاحها المتنامي، اتسعت عمليات الجماعات الإرهابية وتنامت المليشيات. وتحت عنوان محاربة الإرهاب تم تشكيل "اللجان الشعبية" في أبين ومحافظات جنوبية، كقوات موازية ومدها بالسلاح ودعم مالي سخي، لاحتواء تصاعد نشاط الحراك الجنوبي المسلح. ثم تم تسكين مقاتليها في كشوفات وزارة الدفاع. وتعاظم نفوذها وفرضت سيطرتها على مدن ومناطق، ولاحقا خاضت مواجهات ضد القوات الحكومية.

 

ومنذ توليه السلطة أصدر هادي جملة قرارات لمعالجة أوضاع آلاف المبعدين الجنوبيين من الذين حاربوا مع البيض في حرب الانفصال وإعادة المئات إلى الخدمة في الجيش والأمن، وعين قادة في مفاصل قيادية رفيعة عسكرية وأمنية، لكن ذلك لم ينجح في إطفاء جذوة نزعات الانفصال والعمليات المسلحة التي استهدفت القوات الوطنية بالكمائن والإغارات والقتل الوحشي راح ضحيتها المئات من ضباط وجنود، معظمهم من أبناء الشمال.

 

في محاولة لإعادة توازن القوى والنفوذ واستعادة القرار والسيطرة تمهيدا لإعادة هيكلة مؤسسة الجيش، اتجه هادي نحو تفكيك قبضة صالح وأبناء عائلته وشبكته داخل الجيش، واتخذ جملة قرارات أطاحت بأولاد صالح من الحرس الجمهوري والقوات الخاصة التي تم إعادة تسميتها ومهامها وتبعيتها (أحمد، خالد)، وإبعاد ابن أخيه (طارق محمد عبدالله صالح) من الحماية الرئاسية، ويحيى محمد عبدالله صالح من قيادة الأمن المركزي، وعمار محمد عبدالله صالح من الأمن القومي، ومحمد عبدالله صالح من القوات الخاصة ومكافحة الإرهاب، وإقالة أخيه غير الشقيق محمد صالح من قيادة القوات الجوية والدفاع الجوي، وعلي صالح من القيادة العامة، وخاله مهدي مقولة من قيادة المنطقة الجنوبية، ومحمد علي محسن من قيادة المنطقة العسكرية الشرقية. كما شملت هذه القرارات إزاحة علي محسن الأحمر من قيادة الفرقة الأولى المدرع.

ساعد الدعم الدولي في إخضاع القادة ودفن تمرد بعضهم. لتأتي لاحقا أكبر هيكلة يشهدها الجيش وكانت أحد أهم مطالب شباب الثورة.

 

واتخذ هادي خلال عام 2012م جملة قرارات رئاسية قضت بهيكلة شاملة للقوات المسلحة والقادة بكامل مكوناتها الرئيسية وأفرعها وتخصصاتها وبنيتها التنظيمية والسلطة القيادية والسياسية والعسكرية وأجهزتها الإدارية وإعادة تقسيم مسرح العمليات وتوزيع انتشار القوات.

 

مؤتمر الحوار الوطني (مارس 2013- يناير 2014)

 

في مؤتمر الحوار الوطني الشامل المنعقد خلال الفترة (18 مارس 2013- 25 يناير 2014م) تم تشكيل فريق "أسس بناء الجيش والأمن" برئاسة القيادي الحوثي اللواء يحيى الشامي، وقد ساهم الفريق في تقديم مقترحات بشأن التغييرات وقرارات الهيكلة الشاملة التي جرت للجيش والأمن. وقد ضم الفريق رئيس هيئة الأركان الحالي الفريق الركن صغير بن عزيز.

 

بعد أقل من شهر من انطلاق أعمال مؤتمر الحوار أصدر هادي قرارات، 10إبريل2013، بإعادة تقسيم الجمهورية إلى سبع مناطق عسكرية:

الأولى ومقر قيادتها في سيئون- وادي حضرموت. الثانية ومقرها المكلا- ساحل حضرموت. الثالثة ومقرها مأرب. الرابعة ومقرها عدن. الخامسة ومقرها الحديدة. السادسة ومقرها عمران. السابعة ومقرها ذمار. لكن تلك القرارات نصت أن هذا التنظيم "ساري المفعول لمدة خمس سنوات قابل للمراجعة كلما اقتضت الحاجة لذلك".

تم تعيين قادة أربع مناطق من أبناء الجنوب: الثانية بالمكلا، وهو اللواء ركن محسن ناصر قاسم حسن الشاعري (الضالع)، الثالثة بمأرب، وهو اللواء ركن أحمد سيف محسن اليافعي (يافع-أبين)، الرابعة بعدن، وهو اللواء الركن محمود أحمد الصبيحي (الصبيح- لحج)، الخامسة بالحديدة، وهو اللواء الركن محمد راجح لبوزة (ردفان- لحج). وتعيين قادة ثلاث مناطق من أبناء الشمال: الأولى بسيئون، وهو اللواء ركن محمد عبدالله الصوملي (عمران)، السادسة بعمران، وهو اللواء الركن محمد علي المقدشي (ذمار)، السابعة المركزية بذمار، وهو اللواء الركن علي محسن مثنى (ذمار). وفي حال كان قائد المنطقة جنوبيا يكون رئيس أركانها شماليا، والعكس.

فريق الجيش والأمن تقدم بمصفوفة من المبادئ والمقترحات والقوانين والإجراءات تضمنتها وثيقة مخرجات مؤتمر الحوار، وكان موضع الجيش أهم المحاور الرئيسية في الوثيقة.

 

اتفاق السلم والشراكة 2014

 

وجدت جماعة الحوثي وحليفها صالح الفرصة سانحة للانقضاض على الدولة مستغلين ضعف الجيش الذي لم يكمل بعد إعادة انتشاره وتمركزه وفق الهيكلة الجديدة وما نتج عنها من إرباك وكلفة مادية ووقت وتشتيت الجهود. ترافق ذلك مع توجيه جزء من المجهود العسكري ونقل ترسانة السلاح إلى جنوب وشرق البلاد، بعيدا عن التهديد الاستراتيجي للدولة القادم من شمال الشمال، والخطر الحوثي القادم من كهوف مران.

مع تمدد الحوثية خارج صعدة وزحفها نحو عمران وحجة ومأرب ظهر تباطؤ تحرك القوات وعدم وحدة وتناسق القرار القيادي، وتبدت الاختراقات والخيانات داخل الجيش، وجرى الحديث عن تواطؤ في عدم إسناد القوات التي تقاتل الحوثي وشن غارات جوية على مواقع مقاتلي المقاومة والقبائل في الجوف التي تواجه الحوثي، وغياب إرسال تعزيزات للقوات المحاصرة حوثيا في عمران انتهت بالتصفية الوحشية لقائد اللواء 310 العميد حميد القشيبي وسيطرة الحوثيين على كامل ترسانة سلاح اللواء الذي كان أحد أقوى ألوية الجيش.

توافق ذلك مع استمرار امتلاك صالح للثقل في الأولوية والحدات العسكرية والأمنية التي كانت تواليه، وكان موقفها السلبي واحدا من أسباب التقدم السريع للمتمردين الحوثيين، إضافة لمعطيات عديدة أخرى في هذا السياق.

 

ومع زحف الحوثيين على صنعاء المحافظة والعاصمة، فشلت لجان الوساطات الرئاسية والاتفاقات الموقعة في إقناع الجماعة، لينتهي الأمر باجتياحها العاصمة، 21سبتمبر2014، وسطوها على الدولة ومؤسساتها وعلى مقدرات الجيش ومعسكراته التي تساقطت تباعا، وسيطرتها عل مخازنه ومخزوناته من الصواريخ الباليستية.

ليتم توقيع "اتفاق السلم والشراكة"، 21سبتمبر2014، برعاية الرئيس هادي. أفضى إلى تشكيل حكومة كفاءات في 7نوفمبر2014م برئاسة خالد بحاح، بمشاركة الحوثي كأمر واقع. وتعيين اللواء ركن محمود أحمد الصبيحي وزيرا للدفاع.

 

فرضت الجماعة سيطرتها بالقوة ووضعت الرئيس والحكومة تحت الإقامة الجبرية وباشرت فورا إحلال نفسها ومقاتليها داخل وزارة الدفاع، إذ طالبت بضم الآلاف من عناصرها التي تسميها "اللجان الشعبية" في كشوفات الجيش. وفرضت تعيين الحوثي زكريا يحيى الشامي نائبا لرئيس هيئة الأركان.

وأزاح هادي اللواء الركن أحمد علي الأشول من منصب رئيس هيئة الأركان وعينه عضوا في مجلس الشورى، وعين اللواء الركن حسين ناجي هادي خيران بدلا عنه. رفض الحوثيون إقالة الأشول واعتبروه مخالفا لاتفاق السلم والشراكة.

لاحقا أصدر هادي قرارات بإقالة خيران والشامي ومعهما قائد قوات الأمن الخاصة العميد عبدالرزاق المروني من مناصبهم وإحالتهم للقضاء العسكري للمحاكمة لإخلالهم بواجبهم الوطني، وزجهم لأبناء القوات المسلحة في معارك لا تخدم الثوابت الوطنية.

رفض الحوثيون التوقيع على الملحق الأمني للاتفاق، إذ اعتبروه تكتيكا لحظيا يمنحهم الوقت لترتيب صفوفهم وتحييد خصومهم.

كان الملحق الأمني ينص على بسط نفوذ الدولة وازالة التوتر الأمني والسياسي من العاصمة صنعاء وتشكيل لجنة مشتركة لوقف أعمال القتال. تلك اللجان لم يتم تشكيلها رغم أنه تم التوقيع على الملحق لاحقا.

وقد اضطرت الحكومة لإعلان استقالتها في 22يناير2015، لكن الحوثيين أصدروا ما أسموه "الاعلان الدستوري" 6فبراير2015، وقضى عمليا بتعطيل الدستور اليمني والبرلمان. وبدأت "اللجنة الثورية العليا" الحوثية تمارس مهام سلطات الدولة وصلاحيات الرئيس. وأصدر رئيس اللجنة محمد علي الحوثي قرارا بإعادة تشكيل اللجنة الأمنية العليا، وتعيين الصبيحي رئيسا للجنة، ليعود لممارسة عمله تحت هذه الصفة الجديدة وكقائم بأعمال وزير الدفاع في الحكومة المستقيلة.

اتجه الحوثيون للتمدد نحو المحافظات والمناطق اليمنية، ووجهوا مقاتليهم جنوبا ونحو مدينة عدن، لتدخل البلاد في أتون حرب طويلة الأمد، وتتمزق مؤسسة الجيش ليعاد تجميعها لاحقا وتشكيل أخرى جديدة، بالتزامن مع تشكل مليشيات مسلحة طائفية ومناطقية واختلت موازين القوى العسكرية مع تقسيم البلاد إلى مربعات صغيرة أصبحت البلاد بها تحت رحمة الجيوش الموازية والقوات المتعددة.

 

إعادة هيكلة الجيش الوطني 2015

 

منذ اندلاع الحرب التي فرضتها مليشيا الحوثي المدعومة إيرانيا وانطلاق عمليات "عاصفة الحزم" و"إعادة الأمل" بقيادة السعودية ومشاركة الإمارات، اتجهت القيادة الشرعية لإعادة بناء المؤسسة العسكرية "الجيش الوطني" وهيئاته ودوائره العسكرية وإعادة تشكيل المناطق والمحاور والوحدات العسكرية التي سقطت بيد الحوثية، وبنفس هيكلة 2013، وأسمائها، وتم إنشاء بعض الألوية والوحدات بتسميات جديدة استجابة لمقتضيات المعركة الميدانية.

في مطلع 2015 صدرت قرارات بتعيين قيادة جديدة للجيش بتعيين اللواء الركن محمد علي المقدشي (ذمار) رئيسا لهيئة الأركان العامة، واللواء الركن ناصر الظاهري (شبوة) نائبا له، وتعيين اللواء صغير بن عزيز (عمران) نائبا لشئون التدريب والتأهيل، وتحديد مأرب مقرا مؤقتا لوزارة الدفاع ورئاسة الأركان. وأعاد هادي الفريق علي محسن إلى معترك الفعل العسكري والقرار والقيادة بتعيينه في منصب "نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة" 22 فبراير 2016، ثم عينه لاحقا في 3إبريل من نفس العام نائبا لرئيس الجمهورية خلفا لخالد بحاح.

وبدأت عملية إعادة تشكيل الوحدات التابعة للمنطقة الثالثة بعد تعيين اللواء الركن عبدالرب الشدادي (مأرب) قائدا لها. وانشاء محور بيحان، يضم مديريات بيحان، عين، عسيلان بشبوة، ومديريتي حريبروالجوبة بمأرب، بقيادة اللواء مفرح بحيبح (مأرب)، كمحور تابع للمنطقة الثالثة وإعادة تشكيل محور عتق.

وكذلك المنطقة السادسة بقيادة اللواء الركن أمين الوائلي (ذمار)، ثم السابعة بقيادة اللواء الركن صالح المقدشي، وتشكيل محور البيضاء تابع لها.

بالتوازي، اتجهت الإمارات –وكذلك السعودية- لبناء قوات عسكرية وأمنية موازية للقوات النظامية، خارج إطار وزارتي الدفاع والداخلية بالحكومة الشرعية المعترف بها دوليا، تحت لافتة مواجهة التمرد الحوثي ومحاربة القاعدة. وتولتا الإشراف على تدريب القوات الوليدة وتسليحها وإدارتها وتمويلها بالدعم والمرتبات.

فبعد سقوط عدن والمنطقة الرابعة المتمركزة فيها والمحاور التابعة لها في لحج وأبين والضالع، فيما حافظ محور تعز التابع للرابعة على بعض وحداته، تم إنشاء بعض الألوية بقرارات رئاسية بمسميات جديدة لتكن تحت قيادة الرابعة وتعيين قادة جدد لبعض وحداتها.

وأنشأت الإمارات قوات جنوبية متعددة في عدن ومحافظات جنوبية وصولا إلى السواحل الغربية في تعز والحديدة. وتشكيل قوات في المكلا ساحل حضرموت بعد سقوط المنطقة الثانية بيد تنظيم القاعدة، وتم إعادة بناء بعض وحداتها.

وشمالا، أعيد تشكيل المنطقة الخامسة من داخل الأراضي السعودية وتمركزها في مناطق محافظة حجة الحدودية وتتولى السعودية إدارتها وتمويلاتها. ومثلها إنشاء محاور جديدة على امتداد المناطق الحدودية في الجوف وصعدة خاضعة للسعودية عملياتيا وإداريا.

 

اتفاق الرياض 2019

 

شمالا، مضى الحوثيون في تطوير قدراتهم العسكرية وتثبيت سيطرتهم جغرافيا، مقابل تنامي نفوذ القوات الموازية جنوبا وتأطيرها تحت قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي الذي أنشأته الإمارات 2017 بقيادة اللواء عيدروس الزبيدي (الضالع) كغطاء لنفوذها وقواتها، تصاعد التوتر في عدن، العاصمة اليمنية المؤقتة، مع إعلان الانتقالي التمرد على الشرعية ودفعه قواته لمواجهة القوات الشرعية والسيطرة على عدن والتمدد إلى أبين وشبوة، قبل أن تنكسر قوات الانتقالي أمام القوات الوطنية  التي تمكنت من إعادتها إلى عدن، وكانت على وشك دخول المدينة لتتدخل الإمارات جويا لإسناد أذرعها في أطراف عدن وتعيد القوات الحكومية إلى منطقة شقرة في أبين.

أفضى الصراع إلى توقيع "اتفاق الرياض" 25نوفمبر2019، بين الشرعية والانتقالي برعاية سعودية وبالتفاهم مع الإمارات ومباركة دولية، وبذلك ضمن الانتقالي مشاركته في حكومة جديدة بالمناصفة وتمثيله في مفاوضات التسوية السياسية الشاملة التي تسعى لها الأمم المتحدة والأطراف الدولية الكبرى وغيرها من دول الإقليم.

تضمن الاتفاق في ملحقه العسكري والأمني جملة ترتيبات، أهمها:

-عودة جميع القوات إلى مواقعها السابقة بكامل أفرادها وأسلحتها وتحل محلها قوات الأمن التابعة للسلطة المحلية في كل محافظة.

-تجميع ونقل الأسلحة المتوسطة والثقيلة بأنواعها المختلفة من جميع القوات العسكرية والأمنية في عدن إلى معسكرات داخل عدن.

-نقل جميع القوات العسكرية التابعة للحكومة والتشكيلات للانتقالي في عدن إلى معسكرات خارج محافظة عدن.

-توحيد قوات الانتقالي في عدن وترقيمها وضمها لوزارة الدفاع.. وإعادة تنظيم القوات العسكرية في محافظات (أبين ولحج) وبقية المحافظات الجنوبية تحت قيادة وزارة الدفاع.

 

ليتم تشكيل لجان عسكرية من قيادة قوات التحالف للإشراف ميدانيا على تنفيذ الالتزامات التي استطاع الانتقالي التملص من تنفيذها وركز جهوده لتطوير التشكيلات التي أسستها الامارات وقامت بتجييرها لصالحه. فيما استمر تنامي التشكيلات والقوات الأخرى خارج سلطة الحكومة، على حساب إضعاف القوات النظامية "الجيش الوطني" وتقويض نفوذ السلطة الشرعية، ليعود التوتر جنوبا مع تصعيد الانتقالي وتمددها، وارتفاع المطالبات بتمثيل بقية التشكيلات في العملية السياسية.

 

اتفاق اعلان نقل السلطة 2022

 

تنامت تلك القوات الموازية المدعومة من الإمارات والسعودية، واتسع نفوذها لتفرض واقعا جديدا قاد إلى اتفاق إعلان نقل السلطة وانتقال سياسي جديد تم توقيعه برعاية سعودية وبتفاهم مع الإمارات ومباركة أممية، 7إبريل2022، انبثق عنه إزاحة الرئيس عبدربه منصور هادي ونائبه الفريق علي محسن الأحمر من السلطة، وتشكيل مجلس القيادة الرئاسي، برئاسة الدكتور رشاد محمد العليمي (تعز) وعضوية سبعة أعضاء ممثلين للواقع السياسي والميداني.

تم تعيين رئيس المجلس الانتقالي وقائد قواته عيدروس الزبيدي عضوا في المجلس الرئاسي. ومثله العميد عبدالرحمن المحرمي (لحج) قائد قوات العمالقة الجنوبية السلفية. واللواء فرج البحسني بصفته المسئول الفعلي عن قوات النخبة الحضرمية. والعميد طارق صالح (صنعاء) قائد قوات المقاومة الوطنية وحراس الجمهورية وألوية تهامة بالساحل الغربي. والشيخ عثمان مجلي (صعدة) كممثل للقوات الخاضعة للسعودية في جبهات الحدود الشمالية. واللواء سلطان العرادة (مأرب) كممثل لقوات الجيش الوطنية في مسرح مأرب. وأضيف لهم الدكتور عبدالله العليمي (شبوة) المدعوم من السعودية.

انبثق عن الاتفاق الذي جاء تحت عناوين ترتيب صفوف القوى والقوات المناوئة للحوثيين، تشكيل "اللجنة الأمنية والعسكرية المشتركة العليا" لتحقيق الأمن والاستقرار، وإعادة هيكلة القوات المسلحة والأمن. وحدد مهامها في:

-تحقيق الأمن والاستقرار من خلال اعتماد السياسات التي من شأنها أن تمنع حدوث أي مواجهات مسلحة في كافة أنحاء الجمهورية.

-تهيئة الظروف واتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق تكامل القوات المسلحة تحت هيكل قيادة وطنية موحدة في إطار سيادة القانون.

-إنهاء الانقسام في القوات المسلحة ومعالجة أسبابه، وإنهاء جميع النزاعات المسلحة، ووضع عقيدة وطنية لمنتسبي الجيش والأجهزة الأمنية.

في الـ 30 مايو2022، صدر قرار مجلس القيادة الرئاسي، بتشكيل اللجنة بقوام 59 عضوا من القيادات العسكرية والأمنية بالمناصفة، شمالا وجنوبا. وأوكلت رئاسة اللجنة لوزير الدفاع الأسبق القيادي في الانتقالي اللواء الركن هيثم قاسم طاهر (ردفان، لحج) ينوبه رئيس هيئة الأركان الأسبق اللواء الركن طاهر علي العقيلي (عمران، شمال).

ضمت اللجنة وزير الدفاع الحالي الفريق الركن محسن الداعري (الضالع) وعددا من قادة الجيش والأمن النظاميين والتشكيلات المسلحة العسكرية والأمنية المدعومة إماراتيا وسعوديا. وجاءت رئاسة اللجنة من نصيب الانتقالي بتعيين اللواء هيثم قاسم، وهو اشتراكي سابق وقيادي في الانتقالي وتم تعيينه مؤخرا عضو هيئة رئاسة الانتقالي.

 

الوضع الراهن..

 

بعد ثلاث سنوات على تشكيل المجلس الرئاسي وتشكيل اللجنة المكلفة بالهيكلة، لم تحقق اللجنة إنجازا فعليا، وتركز عملها على إعداد الخطط والتصورات "ينقصها التنفيذ"، ويعترف رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي بأن بعض أعضاء المجلس يرفضون عملية دمج القوات التي يقودونها، فيما يعلن الانتقالي صراحة رفضه دمج قواته ومجرد الحديث عن الدمج، ويمضي في تطوير قدرات القوات التابعة له.

يحتفظ قادة تلك الجيوش الموازية بحق القرارات والتعيينات في قواتهم، مع أن إعلان نقل السلطة نص صراحة على أن يكون لرئيس المجلس الرئاسي "حصرا" صلاحيات واختصاصات القيادة العليا للقوات المسلحة. لم يستطع رئيس المجلس منذ تعيينه إصدار أية قرارات وتغييرات تخص تلك التشكيلات.

 

مع تنامي القوات المحسوبة على جبهة المجلس الرئاسي وما تتلقاه من دعومات خارجية وتمتلكه من أسلحة، تتسع حالة الضعف التي تعاني منها القوات النظامية التي استنزفت المعارك مع الحوثيين قدراتها المادية والبشرية وتواجه مشكلات حادة في شحة الإمكانات ونقص التمويلات وتدهور قيمة المرتبات غير المنتظمة. مع تضخم الأزمات العميقة التي تواجهها الحكومة الشرعية في توفير وتحصيل الإيرادات، والتحفظات الخارجية المستندة على تقديرات خاطئة لدول مجاورة حول دعم القوات النظامية ومدها بالسلاح، تساند ذلك تبريرات أن اليمن مدرجة تحت البند السابع الذي جاء بهدف حظر تدفق السلاح للتمرد الحوثي.

على الجهة الأخرى، يحقق الحوثيون بفضل تدفق الدعم الإيراني تفوقا في تطوير قدراتهم العسكرية وخصوصا في القوات الجوية والدفاع الجوي (منظومة الصواريخ وتقنيات الطيران المسير) والقوات البحري، ويستمرون في بناء جيش طائفي بصبغة إيرانية وعقيدة لا تنتمي لليمن.

 

وفي ظل ضعف قبضة السلطة الشرعية وبقاء اليمن بيئة جاذبة للتدخلات والاستقطابات تتقلص فرص هيكلة "الجيوش المنقسمة" ودمجها في مؤسسة وطنية موحدة، وبالتالي تعثر مهمة بناء جيش يمني نظامي بأسس وطنية علمية يلتزم بالدستور والقوانين ويخضع لنظام الدولة اليمنية والمواثيق والاتفاقات الموقعة عليها ويضمن استعادة الاستقرار والسلام في اليمن وتعزيز الأمن الإقيليمي والعالمي.

ما يعني بقاء الأبواب مشرعة لاحتمالات جولات طويلة الأمد من العنف والصراع الداخلي، الأمر الذي يفاقم المعاناة والكلف الإنسانية ويقوض جهود إحلال السلام والاستقرار الدائم في اليمن، والمنطقة أيضا.

 

المادة خاصة بـ"ديفانس لاين"


اطلع على المزيد